العرض في الرئيسةفضاء حر

رحلتي إلى المعتقل (2)

يمنات

خليل عبد الوهاب أحمد

وصلت إلى حيث يريدون، وهنالك أفقت من هول الصدمة حين دُفِعْتٌ إلى داخل الزنزانة ملتفتا خلفي لأنظر ما الأمر..

كان السجان قد توارى خلف الباب الذي صرعه لحظة اندفاعي إلى الداخل.. تبوأت مقعدي بين المساجين في زنزانة ضيقة حيث وجد فرشي مكانا له في إحدى زوايا الغرفة.

ارتمى جسدي المرهق هناك، وفي رأسي الف سؤال وفي حلقي الف غصة، وبنفسي الف مبكية، وقلبي يعتصر خوفا والما على أولادي وزوجتي.. إلى أين ذهبوا..؟ وكيف هو حالهم بعد ان وقعَت على رؤوسهم لحظة الاعتقال..؟! خاصة وان البيت الذي كنا فيه قديما، ويملكه احد اقاربي، كان خاليا، ولم نجد مفتاحا له حتى لحظة الاعتقال.

وهل ريتال ابنتي الصغيرة التي كانت أشد فرحا وانتشاء بالرحلة والسفر، هل هي بوضع صحي جيد..؟ فقلبها الصغير لا يحتمل كل هذا الأمر..

والأدهى من ذلك كيف ستتقبل أمي خبر اعتقالي، وهي التي لم تتماثل للشفاء بعد، إثر إصابتها بانزلاق في العمود الفقري، ومرض في القلب، وكذلك أبي المتعب..

كل تلك الأسئلة والتساؤلات وغيرها رافقتني على فراشي المحشور بين الفُرُش .. ولا مجيب ، إلا صيحات وضجيج وازعاج غير مفهوم، يحدثه المساجين وسجانيهم..

لم يفلح كل ذلك الضجيج ان يشغلني عما انا فيه من الهم والحزن، بل ان جبالا من الهم تتوالى كلما سكنت روحي وارتخى جسدي على ذلك الفراش المحشور ..

مرت ساعات طوال، وتعاقب الليل والنهار، ونظري يجول في زوايا السجن، وكأن عقلي الباطن يبحث عن شيء يبعث الأمل او شخص تبدو ملامحه مألوفة، أو نداء من خلف الباب يقطِّع حروف اسمي، او نبأةٍ من هنا أو هناك، ولكنه المجهول ولا شيء غيره، فينقلب البصر خاسئا وهو حسير ، ثم أعيد الكرة مرات ومرات وتتوالى الحسرات..

وقعت عيني على جسدٍ ساكن بجواري، لم أشعر بوجوده كل ذلك الوقت، دققت النظر فإذا هو رجل في منتصف العمر، شاحب الوجه، بعينين غارقتين، نصف تجويفهما يملؤه العَرَق، مسطح الجسم كأنه لوح برجلين ممدوتين كأنهما عصاتان القيتا اسفل الفراش، رفع بصره إلي وكأنه بُعث من الموت، وأشرت اليه بمعنى اي خدمة..؟ فلم يعرني اهتماما، ربما استخفافا لمعرفته بعجزي او احتقارا لفضولي، فتركته ليغمض عينيه..

عدتُ لأسترق نظرة لجسده النحيل، ولكن هذه المرة لأرى كيف سيكون حالي عندما افقد وزني كما هو حاله، وهنالك شعرت بزلزال من الهم يكاد يقتلع كياني، لأجد نفسي انتحب كشبًابة في شفاهِ الريح..

الصمت هو ما أستطيع قوله، والسكون هو ما اقدر على فعله..

يتبع ..

للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليغرام انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى